الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له تعظيماً لشانه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه . اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه ..
أما بعد :
عباد الله .. أوصيكم ونفسي بتقوى الله ومن تقوى الله الصبر على الطاعات، الصبر عن المنكرات ، والصبر على قضاء الله وقدره في
كل الأحوال وفي كل المسارات ..
عباد الله .. في خبر إبراهيم عليه السلام عجب العجاب فتعالوا نتبع الخبر ..
تعالوا ننتبع الخبر أنا وإياكم بإيجاز واختصار ..
إبراهيم عليه السلام حُرم الولد لسنوات طوال ثم رُزقه على كبر ، ثم أمره الله أن يضعه وأمه في وادٍ غير ذي زرع والخبر معروف { رَّبَّنَا إِنّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّّيََّتي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكِ المُحَرَّمِ } ثم لما كبر الغلام وشب وتعلق قلب إبراهيم به .. كيف لا والله يصف ذلك الغلام بوصف عجيب قال الله { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ } ثم ها هو الأب الشيخ الكبير المقطوع من الأهل والقرابة ..المهاجر من الأرض والوطن ، رُزق بغلام لطالما تمنى أن يناله ثم أُعطيه ..موصوف من ربه بالحلم ..فما كاد يأنس به ويشب ويترعرع أمام عينه فإذا هو يرى في منامه أنه يذبحه ..
فيرى في منامه أنه يذبحه فيدرك إبراهيم أنها إشارة من ربه بالتضحية ..
إنه الابتلاء والامتحان.. فهل تردد أو توانى!!
أبداً والله.. ولم يأت في قلبه إلا الشعور بالطاعة ، ولم يخطر بباله إلا التسليم والاستسلام لربّ العالمين .. تأملوا الأمر كان إشارة ولم يكن وحياً صريحاً ولا أمراً مباشراً ولكنها إشارة من ربه وهذا يكفي ..
لله أكبر ..كم من الأوامر الصريحة اليوم ..
كم من الأوامر الصريحة اليوم تُترك ويتهاون بها .. لم يتسخط إبراهيم ولم يعترض ..لم يقل لماذا يا رب أذبح ابني الوحيد ! لم ينزعج ، لم يجزع ، ولم يضطرب ..
إنما قبول ورضى وهدوء وطمانينة ..
يظهر ذلك في كلامه لابنه وهو يعرض عليه الأمر الهائل { قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى } كلمات المتمالك لأعصابه المطمئن لأمر الله الواثق بأداء الواجب..
كلمات مؤمن صادق .. لم يتعجل ويندفع لينتهي الأمر بسرعة ويستريح ..
ووالله الذي لا إله إلا هو إن الأمر أشق مما تتصور .. والله الذي لا إله إلا هو إن الأمر أشق مما تتصور .. هو لم يطلب منه أمراً قد يودي بحياته إنما يطلب أن يتولى الأمر بنفسه ..
إنما يطلب أن يتولى الأمر بنفسه .. وأن يتولى الذبح بيديه..
ثم هو ذا يعرض الأمر على الابن ، ويطلب من الابن التروي في الأمر { يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى } سبحان الله أما كان في أخذ الابن على حين غرة راحة له وانتهى الأمر..
أما كان في أخذ إبراهيم للابن على حين غرة راحة له و انتهاءً للأمر ..
ها هو يعرض عليه الأمر وكأنه أمراً مألوفاً فالأب مبتلى بفعل الأمر، والابن مبتلى بالسمع والطاعة ..
أين الأبناء الذين يعقون آباءهم !!!
أين الآباء الذين يعقون أبناءهم !! ها هو الأب يعرض على ابنه أن يقتله فيقول الابن مستمعاً مجيباً { يَا أَبَتِ افْعَلْ مِا تُؤْمَرُ ( افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِين }
فلله درّ الأب ولله درّ الابن ، والتربية لم يعد لها دور .. يعرض عليه الذبح لرؤية رآها فيستسلم الابن للأمر ..
{ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مِا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }
لم يتلقَ الأمر في طاعة واستسلام فقط بل برضى ويقين ..
تأمل في قول الابن { يَا أَبَتِ } في كل أدب ومودة ..
فالذبح لا يخفيه ولا يزعجه ولا يفقده أدبه { افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ }..
فهو يعلم أن الرؤيا إشارة من ربَّ العالمين .. فهو يعلم – أي الابن – أنَّ الرؤيا إإشارة من ربّ العالمين ..
ثم أظهر الابن ضعفه وأنه لن يحتمل ذلك شجاعة وقوة ، ولكن أدباً مع ربه واستعانة بالله { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِين } أدب وروعة في الإيمان ، وعظمة في الاستسلام ..
ثم بعد الحوار يبدأ التنفيذ ..
ثم بعد الحوار يبدأ التنفيذ{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ } قال اسماعيل لأبيه : اشدد رباطي ..
اشدد رباطي ليسكن جسدي كما سكن قلبي ، واكفف ثيابك عن دمي لئلا يصيبها فتحزن أمي لرؤيته و أقرئها أمي مني السلام ..
فقال إبراهيم : نعم العون .. نعم العون أنت يا بني ..
فأين الأبناء يعينون آباءهم اليوم !!!
أين الأبناء يعينون آباءهم بعد أن بلغهم من الكبر ما بلغهم ..
بل لقد تكلَّم معي قبل أن أدخل المنبر الآن ..
من يقول لي يقف أمام وجهي ويسبني ويشتمني .. يقف ابن العشرينات أمام وجهي ويسبني ويلعنني ويتطاول علي في الكلام ..
يقول الأب : حتى أصبحت خائفاً على نفسي منه .. حتى أصبحت خائفاً على نفسي منه ..
قال اسماعيل لأبيه : اشدد رباطي ليسكن جسدي كما سكن قلبي ، واكفف ثيابك عن دمي لئلا يصيبها فتحزن أمي لرؤيته و أقرئ أمي مني السلام .. قال إبراهيم : نعم العون أنت يا بني ..
تابع