المعاصي عدو لدود
الجهاد وثوابه
علم سبحانه أن آدم وبنيه قد بلوا بعدو (الشيطان) وأنه قد سلط عليهم أمدهم بعساكر وجند يلقونهم بها ، وأمد عدوهم أيضا بجند وعساكر يلقاهم بها ، وأقام سوق الجهاد في هذه الدار في مدة العمر التي هي بالإضافة إلى الآخرة كنفس واحد من أنفاسها ، واشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ، وأخبر أن ذلك وعد مؤكد عليه في أشرف كتبه ، وهي التوراة والإنجيل والقرآن ، وأخبر أنه لا أوفى بعهده منه سبحانه ، ثم أمرهم أن يستبشروا بهذه الصفقة التي من أراد أن يعرف قدرها فلينظر إلى المشتري من هو ؟ وإلى الثمن المبذول في هذه السلعة ، وإلى من جرى على يديه هذا العقد ، فأي فوز أعظم من هذا ؟ وأي تجارة أربح منه ؟
هل تجاهد وحدك في المعركه؟؟
ما هي الامدادات؟؟
ومن اعطاكها؟؟
ولم يسلط سبحانه هذا العدو على عبده المؤمن الذي هو أحب المخلوقات إليه ، إلا لأن الجهاد أحب شيء إليه ، وأهله أرفع الخلق عنده درجات ، وأقربهم إليه وسيلة ، فعقد سبحانه لواء هذه الحرب لخلاصة مخلوقاته ، وهو القلب الذي محل معرفته ومحبته ، وعبوديته والإخلاص له ، والتوكل عليه والإنابة إليه ، فولاه أمر هذه الحرب ، وأيده بجند من الملائكة لا يفارقونه له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله [ سورة الرعد : 11 ] .
يعقب بعضهم بعضا ، كلما ذهب بدل جاء بدل آخر يثبتونه ويأمرونه بالخير ويحضونه عليه ، ويعدونه بكرامة الله ويصبرونه ، ويقولون : إنما هو صبر ساعة وقد استرحت راحة الأبد .
ثم أمده سبحانه بجند آخر من وحيه وكلامه :
* فأرسل إليه رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأنزل إليه كتابه ، فازداد قوة إلى قوته ، ومددا إلى مدده ، وعدة إلى عدته ،
* وأمده مع ذلك بالعقل وزيرا له ومدبرا ، وبالمعرفة مشيرة عليه ناصحة له ، وبالإيمان مثبتا له ومؤيدا وناصرا ، وباليقين كاشفا له عن حقيقة الأمر ، حتى كأنه يعاين ما وعد الله تعالى أولياءه وحزبه على جهاد أعدائه ،
فالعقل يدبر أمر جيشه ، والمعرفة تصنع له أمور الحرب وأسبابها ومواضعها اللائقة بها ، والإيمان يثبته ويقويه ويصبره ، واليقين يقدم به ويحمل به الحملات الصادقة .
*ثم أمد سبحانه القائم بهذه الحرب بالقوى الظاهرة والباطنة ، فجعل العين طليعته ، والأذن صاحب خبره ، واللسان ترجمانه ، واليدين والرجلين أعوانه ،
*وأقام ملائكته وحملة عرشه يستغفرون له ويسألون له أن يقيه السيئات ويدخله الجنات ،
ولا يتم أمر هذا الجهاد إلا بهذه الأمور الأربعة ، فلا يتم الصبر إلا بمصابرة العدو ، وهو مقاومته ومنازلته ، فإذا صابر عدوه احتاج إلى أمر آخر وهي المرابطة ، وهي لزوم ثغر القلب وحراسته لئلا يدخل منه العدو ، ولزوم ثغر العين والأذن واللسان والبطن واليد والرجل ، فهذه الثغور يدخل منها العدو فيجوس خلال الديار ويفسد ما قدر عليه ، فالمرابطة لزوم هذه الثغور ، ولا يخلي مكانها فيصادف العدو الثغر خاليا فيدخل منه .
وصف المعركه
وتعليمات ابليس لاعوانه أثناءها
التقاء الجيشين فانظر الآن فيك إلى التقاء الجيشين ، واصطدام العسكرين وكيف تدال مرة ، ويدال عليك أخرى ؟ أقبل ملك الكفرة بجنوده وعساكره ، فوجد القلب في حصنه جالسا على كرسي مملكته ، أمره نافذ في أعوانه ، وجنده قد حفوا به ، يقاتلون عنه ويدافعون عن حوزته ، فلم يمكنهم الهجوم عليه إلا بمخامرة بعض أمرائه وجنده عليه ،
خواص الجنود لابليس اللعين
وتسلسل حدوث المعصيه
فسأل عن أخص الجند به وأقربهم منه منزلة ، فقيل له : هي النفس ، فقال لأعوانه : ادخلوا عليها من مرادها ، وانظروا مواقع محبتها وما هو محبوبها فعدوها به ومنوها إياه وانقشوا صورة المحبوب فيها في يقظتها ومنامها ، فإذا اطمأنت إليه وسكنت عنده فاطرحوا عليها كلاليب الشهوةوخطاطيفها ، ثم جروها بها إليكم ، فإذا خامرت على القلب وصارت معكم عليه ملكتم ثغر العين والأذن [ ص: 98 ] واللسان والفم واليد والرجل ، فرابطوا على هذا الثغور كل المرابطة ، فمتى دخلتم منها إلى القلب فهو قتيل أو أسير ، أو جريح مثخن بالجراحات ، ولا تخلوا هذه الثغور ، ولا تمكنوا سرية تدخل فيها إلى القلب فتخرجكم منها ، وإن غلبتم فاجتهدوا في إضعاف السرية ووهنها ، حتى لا تصل إلى القلب ، فإن وصلت إليه وصلت ضعيفة لا تغني عنه شيئا .
انظر النظره وتسلسل اثرهاعالنفس نهاية بالمعصيه
وتعليمات ابليس لاعوانه بهذا الشأن
ثغر العين فإذا استوليتم على هذه الثغور فامنعوا ثغر العين أن يكون نظره اعتبارا ، بل اجعلوا نظره تفرجا واستحسانا وتلهيا ، فإن استرق نظره عبرة فأفسدوها عليه بنظر الغفلة والاستحسان والشهوة ، فإنه أقرب إليه وأعلق بنفسه وأخف عليه ،
ودونكم ثغر العين ، فإن منه تنالون بغيتكم ، فإني ما أفسدت بني آدم بشيء مثل النظر ،
1- فإني أبذر به في القلب بذر الشهوة ،
2- ثم أسقيه بماء الأمنية ،
3- ثم لا أزال أعده وأمنيه حتى أقوي عزيمته وأقوده بزمام الشهوة إلى الانخلاع من العصمة
، فلا تهملوا أمر هذا الثغر وأفسدوه بحسب استطاعتكم ، وهونوا عليه أمره ، وقولوا له : مقدار نظرة تدعوك إلى تسبيح الخالق والتأمل لبديع صنيعه ، وحسن هذه الصورة التي إنما خلقت ليستدل بها الناظر عليه ، وما خلق الله لك العينين سدى ، وما خلق الله هذه الصورة ليحجبها عن النظر ،
وإن ظفرتم به قليل العلم فاسد العقل ، فقولوا له : هذه الصورة مظهر من مظاهر الحق ومجلى من مجاليه ، فادعوه إلى القول بالاتحاد ، فإن لم يقبل فالقول بالحلول العام أو الخاص ، ولا تقنعوا منه بدون ذلك ، فإنه يصير به من إخوان النصارى ، فمروه حينئذ بالعفة والصيانة والعبادة والزهد في الدنيا ، واصطادوا عليه وبه الجهال ، فهذا من أقرب خلفائي وأكبر جندي ، بل أنا من جنده وأعوانه .
*********************************