وتنهدت ربة البيت وحولقت حين سمعت حكاية المربية ، وقصتها فى الليل على زوجها الحاج محمود حين رقد الى سمع ، وتصور ملامحها الدقيقة وعودها الضئيل ووجهها الوادع ، وكيف يتعذب كل هؤلاء بفعل الحاجة وتقلبات الزمان . ثم تنهد ، وحوقل واستغفر الله ، ونام بضعة أشهر من حلول المربية فى البيت . وكان تغيرا داخليا بحتا لا يتيح لاحد أن يكتشفه ،غايته أن الرجل كان يتلذذ حين يراها ، وكان يخيل اليه على كبر سنة أنه يستطيع أن يصنع فى هذا العود المحدود أشياء خارقة : من الممكن أن يضعها فى جيبه ، أو أن يحملها بين ذراعيه كما تحمل الدمية ولعل موطن الاثارة بالنسبة الى الحاج محمود كان كامنا تحت حزاما المريلة البيضاء ، من امراة لم تنجب ولا بطنا ، ولم تعان عملية الغسل والتنشير مثل زوجته العتيقة ! وفى ظلمة كل ليلة كانت هذه الافكار تتجسم أمام بصيرته عالية ضخمة كما يبدو الهرم على الافق وينسى فى النهار بعض الشىء حين يغرق فى العمل ويشغله الصادر والوراد وظل كذلك حتى لقيتها على انفراد عصر يوم من الايام فى أحد أركان الجنينة وكان الطفلان الصغيران يلعبان على بعد قريب . برقت عينا الحاج بريقا فهمت المربية معناه فأطرقت وهى تبتسم . ودنا منها وسألها عن الصحة وشكرها على عنايتها بأبناته ثم استطرد يسال عن مسائل أخرى :
- كل شىء فى منزلنا مريح . فأرجو أن تكون راضية
- الحمدالله
- وأعتقد أن فراش حجرتك فى حالة جيدة ..... واذا رغبت فى تغيير بعض الفراش فأنا على أستعداد ! فأجابت وقد فهمت ما وراء الكلمات :
- ليس هناك داع يا سعادة البيه وانقطع حبل الحديث فجاة ، لان الحاجة سكينة ظهرت وهى تتهادى فى طريقها اليهم سائرة كأنها بطة ، وفى يدها وردة تقربها من أنفها . وتحدث الحاج محمود مستطردا حتى لا يثير الشكوك فقال : " أن مربية أطفالنا سردت على أسماء كل هذه الازهار ، كانها هى التى غرستها " ثم أمسك بذراع زوجته وأخذا يجولان فى الحديقة ولم ينم الرجل فى الليلة التالية . سمع دقة الساعة الاولى بعد منتصف الليل فقام متسللامن الفراش وخرج . لم يكن يدرى الى أين يذهب ، لكنه نزل الى الحديقة دون وعى . وعند الجناح الصغير المنعزل حيث تنام المربية ، وقف منزويا يفكر فيما سيفعل . وقرر أن يتقدم ويطرق عليها الباب برفق وأن يقول لها حين حين تفتح له كلمة من كلمتين أو يقول الكلمتين معا : " أحبك .أتزوجك " .... ولكن لماذا اختار هذه الساعة من الزمن ؟! انها تثير الشكوك ! وأحس خوفا شديدا ولو أن زوجته غائبة عن البيت فى عرس ابن اختها وأحس خجلا من أن يراه أحد من الخدم وأز النسيم فى ذوائب شجرة ، وفرت نجمة الى مغربها أمام عينية فى السماء الصافية ، وخفق قلبه وهو لا يزال يفكر لقد نسى أن عنصر الاقدام قد اختفى منه بعد أن بلغ هذه السن ، وخبت الحرارة التى تدفع الناس الى الامام كما تدفع الريح شراع السفينة . لكنه كان يحسها فى داخله على الرغم من كل شىء وهم أن يرجع ، غير أنه توقف ، كانما عز عليه أن يضيع المجهود الذى بذله . وراى النور يلمع فجأة من وراء الشيش فى حجرة المربية ، فادرك أنها يقظة ، وأن الفرصة سانحة . طرقة واحدة على الباب فتفتح ، وحين تراه سيعلم كل ما فى سريرتها . ونظراتها أول أمس ، حين كانا فى الجنينة ، كانت لا تخلو من الليونة. أه . .....من الممكن أن يصنع الرجل أشياء خارقة مع هذا الجسم الضئيل .......وتوقفت أفكاره كانها قناة تجمد ماؤها ، وأز الهواء فى ذوائب شجرة ، وفرت نجمة أخرى الى مغربها أمام عينيه ، وتنهد فأحس حرارة أنفاسه ، ثم أفاق على فتحة الباب وخروج شبح يتسلل فى رفق . وارتد الباب من خلفه وانطفا النور ، وعادت ذوائب الشجرة تهتز ، وعاد قلب الحاج الى الخفقان كان يعرف من هذا الذى خرج يتسلل من حجرة المربية ، ولكنه لا يستطيع أن يتقدم اليه ويسأله من أين جئت ؟ ! وظل جامدا حيث وقف حتى تأكد من أن ابنه قد وصل الى فراشه