اليمامتان والمرأة العجوز
لقد تعبت جدًّا، لم أعد أستطيع الطيران، يجب أن أستريح، ابحث لنا عن مكان يا زوجي العزيز.
هدأ الزوج من طيرانه وقال:
اصبري قليلاً يا زوجتي، فكما تعلمين أننا نحن اليمام من الطيور المهاجرة، ويجب أن نصل إلى مكان آمن نحتمي فيه، ونصنع عشًّا جميلاً لنا ولأولادنا.
توقفت الزوجة وقالت:
لا يمكنني ذلك الآن، إنني على وشك أن أبيض، هيا نتوقف هنا، انظر إلى هذا الشباك، أمامه وعاء به زرع وزهور، سأبيض هنا.
نظر الزوج نحو الشباك في قلق، وقال:
ولكن يا زوجتي هذا البيت لا نعرف أصحابه، وهل سيرحبون بنا أم سنكون على مائدة عشائهم؟
لم تنتظر الزوجة أن تسمع رأيه، فقد كانت على وشك البيض بالفعل.
وبسرعة اتجهت نحو الشباك، وجلست في وعاء الزرع، فأسرع الزوج يبحث لها عن القش؛ ليصنع لها عشًّا بسيطًا كي تعيش فيه.
وفي صباح اليوم التالي، فتحت الشباك سيدة عجوزة، ونظرت نحو أزهارها وقد علت وجهها ابتسامة رقيقة، لكنها فوجئت باليمامة الراقدة على بيضها.
خافت اليمامة وكادت أن تطير، لكنها خشيت على بيضها، أما زوجها فقد تملكه الرعب وأخذ يرفرف في الهواء وقد استعدَّ للدفاع عن زوجته على قدر استطاعته، لكن ابتسامة السيدة العجوز هدأت من شعورهم، وخصوصًا أنها لم تقترب منهما ولم تحاول أن تسبِّب لهما أيَّ مكروه.
دخلت العجوز إلى شقتها وأحضرت بعض الماء والحبوب، ثم تقدمت بهدوء إلى اليمامتين ووضعت الماء والحبوب أمامهما، وجلست تراقبهما في هدوء.
أخذت السيدة العجوز تفكر قائلة:
ما أجمل هاتين اليمامتين! وما أرقهما! يجب أن أوفر لهما الأمان؛ فقد أرسلهما الله لكي يسعداني في وحدتي بعد أن تزوج أبنائي وسافروا وتركوني وحيدة.
مرت الأيام وفقس البيض، فطارت العجوز من السعادة وأحست بأن هؤلاء الصغار جزء من حياتها ومصدر فرحتها، وزادت من عنايتها بهم فأحضرت أشياء كثيرة لكي تدفئ لهم المكان.
ولكن زوج اليمامة قرر أن يأخذها بعيدًا، لكنها أصرت على البقاء؛ فقد ألفت السيدة العجوز واطمأنت لها.
وقالت لزوجها:
أنا لا أخاف منها، إنها سيدة لطيفة وتخاف علينا وتطعمنا، وعيناها ينبعث منهما الحنان. فأجاب الزوج: لكن يا زوجتي، نحن لا ندري ماذا سيحدث لنا بعد ذلك.
فقالت له في هدوء: لا تقلق يا زوجي العزيز، الأقدار بيد الله.
ومرت الأيام، والسيدة كل يوم تحضر الماء والحبوب لهما، وتجلس على الكرسي الهزاز في الشرفة تلاعبهما، تستنشق الهواء النقي وفي يدها كوب من الشاي بالحليب الدافئ.
وبمرور الوقت كبر الصغيران، وبدأت محاولتهما للطيران، والعجوز تكاد تقفز من السعادة وترفرف بيديها وكأنها هي التي ستطير.
ونجحت المحاولات وطار الصغار وأصبحوا يرافقون أبويهم في رحلات الطيران، والبحث عن رزقهم، والعجوز تتابعهم بسعادة. ولكن لم يخطر ببالها أنهم سيرحلون يومًا بلا عودة.
فقد كبر الصغار ولا بد أن يستمر سير الحياة، فقد عزم الأب والأم على الرحيل واستكمال طريق الهجرة.
فتحت السيدة الشرفة يومًا فلم تجدهم، فقد ذهبوا، انتظرتهم أيامًا فلم يعودوا، فانهمرت الدموع من عينيها، فقد انتهى بها الأمر ثانيةً إلى الوحدة.
لكنها تماسكت وقالت في شجاعة:
لا، لن أيئس، ربما يمر الوقت أتعود على غيابهم، كما تعودت على غياب أولادي. ومن بعيدٍ رأتها اليمامة التي كانت هي أيضًا لا تستطيع أن تنسى تلك السيدة التي ساعدتها في أصعب أيام حياتها، ورأت الدموع في عينيها، فاقتربت منها ووقفت على كتفها، ففرحت العجوز وشعرت أن اليمامة أيضًا تشعر بشعورها.
وفي اليوم التالي، كانت اليمامة وأولادها يبنون أعشاشهم على الشجرة التي أمام بيتها؛ لكي يكونوا قريبين منها، واجتمع شمل أسرتها الصغيرة من جدي