والدّيك لا يزال يصيح ! - السعادة
كنتُ أَقْرَأُ في ترجمة (كانت) الفيلسوف الألماني الأشهر، أنه كان لجاره ديك، قد وضعه على السطح قبالة مكتبه، فكلما عَمِدَ إلى شغله صاح الديك، فأزعَجه عن عمله، و قطع عليه فكره.
فلما ضاق به بعث خادمه ليشتريه، و يذبحه، و يطعمه من لحمه، و دعا إلى ذلك صديقاً له، وقعدا ينتظران الغداء ويحدِّثه عن هذا الديك، وما كان يلقى منه من إزعاج، وما وجده بعده من لذة وراحة، ففكَّر في أمان، واشتغل في هدوء، فلم يقلقه صوته، ولم يزعجه صياحه..
ودخل الخادم بالطعام معتذراً، إن الجار أبى أن يبيع ديكه، فاشترى غيره من السوق، فانتبه (كانت) فإذا الديك لا يزال يصيح !
فكّرت في هذا الفيلسوف العظيم فرأيته قد شَقِيَ بهذا الديك؛ لأنه كان يصيح، وسَعِد به وهو لا يزال يصيح، ما تبدَّل الواقع، ما تبدَّل إلا نفسه، فنفسه هي التي أشقته لا الديك، ونفسه هي التي أسعدته، وقلت: مادامت السعادة في أيدينا فلماذا نطلبها من غيرنا؟ ومادامت قريبة منا فلماذا نبعدها عنَّا؛ إذ نمشي إليها من غير طريقها، ونلجها من غير بابها؟
إننا نريد أن نذبح (الديك) لنستريح من صوته، ولو ذبحناه لوجدنا في مكانه مائة ديك؛ لأن الأرض مملوءة بالدِيَكة، فلماذا لا نرفع الدِيَكة من رؤوسنا إذا لم يكن أن نرفعها من الأرض؟ لماذا لا نسدُّ آذاننا عنها إذا لم نقدر أن نسدَّ أفواهها عنَّا؟ لماذا لا نجعل أهواءنا وفق ما في الوجود إذا لم نستطع أن نجعل كل ما في الوجود وفق أهوائنا؟
من مقال : السعادة للشيخ علي الطنطاوي(رحمه الله) , تستطيعون إيجاد الباقي في الإنترنت ..
" منقول"