أخطاء في تربية الأطفال "خداع الأطفال!!"

جاءتني بطفلتها التي تبلغ من العمر 4 سنوات وبضعة أشهر تطلب عمل تقييم معرفي وسلوكي لها
نتيجة لنصيحة طبيبة الأطفال التي تتعامل معها الأسرة
بناء على شكوى أسرة الطفلة بأنها غير متوافقة في الحضانة التي تم وضعها فيها.
فالطفلة يبدو عليها إصابتها باضطراب فرط الحركة وتشتت الإنتباه المعروف بـ (ADHD) وفي تشخيص هؤلاء نقوم بعمل إختبار ذكاء لنتأكد من القدرات العقلية أو بمعنى أدق نستبعدها لنتمكن من وضع تشخيص دقيق، وأن مشكلة الإنتباه لا ترجع لمشكلة عقلية .
قمت بعمل الإختبار، وفي واحدة من فقراته نسألها عن : ليه الأطباء والممرضين بيعطوا الناس حقن ؟؟
فأجابت الطفلة عشان اللي مش بياكلوا لازم ياخدوا حقنة وماما توديهم عند الدكتور حتى لو عيطوا نحطهم في الشوال والدكتور يعدي على البيوت يقول مين إللي ما أكلش، عارفة لازم ياكل كل الأكل حتى لو مش بيحبه ياكل خضار وياكل رز وياكل كوكو !!!!

ولكم أن تتخيلوا الحالة الدرامية التي تحكي بها الطفلة هذه القصة ، وبالطبع خسرت الطفلة الدرجة في هذه الفقرة
لكن ليست هذه هي المشكلة وإنما المشكلة الأكبر تتمثل في الخداع والتضليل الذي نفرضه على أطفالنا في تربيتهم ولا ندري التشويه الذي ينال تفكيرهم وإتجاهاتهم في الحياة.
وقد دعاني هذا الموقف الذي قامت به الطفلة إلى البحث عن تلك المفكرة التي وضعتها منذ سنوات أثناء عملي بمستشفى الجلاء التعليمي بعيادة تقييم الأطفال وتعديل السلوك والتي خصصتها لردود الفعل الغريبة التي تصدر من الأطفال أثناء الجلسات الخاصة بتعديل السلوك أو إختبار الذكاء والتي وجدت من بينها مايلي :

النموذج الأول لطفل عمره 3 سنوات و9 شهور يتحدث حول أن أمه تراه في كل مكان لأن لديها مرآة في بطنها وضعها لها الله بعد أن ولدته تراه من خلالها وهو في أي مكان
وبالتالي فكلما دخل مكان وجدته يقول ماما أحلى حد في الدنيا وكلما تحدث لك نظر في مكان آخر لتراه أمه، حتى أن حضانته شَكَتْ في وجود مشكلة عقلية لديه خاصة بعد أن بدأ رفاقه في السخرية منه!!!
والأم لا ترى في ذلك خطأ فهي ترى أنها بذلك تجعله يخشاها حتى في عدم وجودها!!
النموذج الثاني لطفل من إحدى محافظات مصر في عمر الرابعة بدأ في مشكلات التبول الليلي اللإرادي، وحينما جلست مع الطفل وجدت أن أمه في محاولتها لوقفه عن أن يدخل أي دورة مياة خارج المنزل – حيث أن لها تاريخ طويل مع الوسواس القهري كان يُعطلها قبل الزواج من الذهاب للإمتحانات أحياناً- تحدثت إليه حول وجود ديدان كبيرة تخرج من دورات المياه خارج المنزل ويمكن أن تلتصق به!!!
فجاء موقف – عرفناه بعد عدد من الجلسات وصولاً لسبب المشكلة- تسبب في عدم دخوله لدورة المياه في المنزل
وهو زيارة لصديقة والدته التي إستخدمت بعض المناديل الورقية وألقت بها في دورة المياه ودخل بعدها الطفل – في منزله- ليجد هذه الأوراق فيعتقد أن الديدان التي حدثته عنها أمه جاءت إلى بيته، وبدأ يسأل الأم -التي لم تهتم بسؤاله لوجود صديقتها التي إنشغلت بها- فقرر عدم الذهاب لدورة المياه إلا مُكرهاً
وتحت ضغط فبدأ في التبول اللإرادي حتى بعد أن تمكن في وقت لاحق من الضبط الذاتي لعملية التبول .
والحالة الثالثة لطفلة في قرابة الرابعة من العمر حيث بقي على عيد ميلادها الرابع 8 أيام، وجاءت بها أمها بالصدفة للعيادة حيث كانت تحضر لمتابعة مع طبيبة أمراض النساء الخاصة بها
حجزت ودخلت للقائي وكان طلبها من الطلبات العجيبة التي لم تتكرر على مدار تاريخي المهني
فقد طلبت الأم أن أقنع إبنتها بأن حمل أمها يعني وفاتها!! حيث أن الأم لا ترغب في الحمل مرة أخرى وحريصة جدا على الموانع التي تحميها من ذلك، وحينما سمعت عن وجود عيادة نفسية دخلت لي لأكون معها في إقناع الطفلة بهذه المعلومة حتى لا تطلبها مرة أخرى!!
فجأة سمعت صراخ خارج الحجرة ووجدت الطفلة الصغيرة تجري عليَ في حالة من الترجي المميتة بألا أجعل أمها تحمل، وأنها لا ترغب في أخ، وأنها لو طلبت هذا الطلب تاني يحرموها من الأكل، ولا يمكن أن أصف لكم حالة الطفلة والإعياء الذي ظهر عليها حملتها الأم وربتت على كتفها وقالت "خلاص يا ... أنا عرفت إنك بتحبيني ومنتكلمش تاني قدام بابا على الإخوات وإلا ماما تموت بقى" !!

والحالة الرابعة .. والحالة الخامسة .. والمفكرة تحمل الكثير من مواقف لأسر تتسبب في العديد من المشكلات النفسية للأطفال نتيجة هذا الخداع الذي ينتج إما عن عدم وعي وقلة خبرة ، أو ينتج عن أنانية من الأهل ورغبة في أن ينفذ الطفل ما يرغبون بغض النظر عما ينالهم من أذى.

وإشكالية هذا الخداع أنه يؤدي إلى :
1- عدم ثقة الأطفال فيما تقوله الأسرة حينما يكبر قليلاً ويستطيع الحكم على الأمور أو أن يكون له مصدر أخر للمعلومة، وهو ما تشتكي منه الأسرة في مرحلة المراهقة.
2- هذه المعلومات المغلوطة أو الخداع المعرفي يؤثر على المخزون العقلي للطفل الذي يعتبر الأسرة مصدر لكل ثقته، ويعرفون كل شئ.
3- لا يؤثر هذا الخداع الذي تقوم به الأسرة على ثقة الطفل في أسرته فقط بل يمتد لثقته في المؤسسات الأخرى باعتبارها إمتداد للنموذج الأسري.
4- يؤثر هذا الخداع على ثقة الطفل بنفسه إذا ما عرض إحدى هذه المعلومات المغلوطة ووجد من يصوبها له، فعندها ربما يُفكر ألف مرة قبل أن يتحدث مرة أخرى خوفاً من أن يخطئ مرة أخرى.
هذه التأثيرات السلبية وغيرها يترتب على حالة الخداع التي تقوم بها الأسرة بمنتهى البساطة ولا يعرفوا أو يقدروا ما يترتب عليها فيما يتعلق بصحة الطفل النفسية، ولن تتكلف الأسرة كثيراً إن هي دققت في المعلومة، وإبتكرت أساليب بسيطة وأمينة لتوصيل الفكرة التي نرغب فيها.
وأخيراً اذكر الأسرة بأن طفلها لن يبقى مدى الحياة طفل صغير، وبالتالي علينا إحترام عدم قدرته الأن إن كنا نرغب في أن يرحم عدم قدرتنا حين يكبر.
في حفظ الرحمن