هذيان برائحة الحلم
الحلم :
" هو أن .. تفتح ذراعيك للمدى .. وروحك تنظر للسماء .. مغمضاً عينك ..
لتعانقك السماء بالمطر .. وأنت عارٍ من كل شي .. إلا من العشق " .
دريموند براكفيتش .
كان ...
عندما يداهمها النوم .. تبحث عن ذراع أمها ..
تستلقي عليه ..
يعلق العالم على رمشيها .. فترة .. ثم يسقطه فجأة .. عندما ترحل الروح إلى خالقها ..
كان هكذا !
لم تعن لها .. الأحلام .. يوماً .
لم تبحث عن إجابة عن معنى النوم !؟ والحلم !؟ والروح أين مكانها أو إلى أين تغادرنا ؟!!
كل ما تذكره .. من هذا التاريخ ..
هو قول أمها ( التي تحب ) لها " عندما تنسى أشياءها في المدرسة يوماً " :
- كل ما أخافه عليك يا صغيرتي .. هو أن تنسى روحك يوماً ما .. وتأتي بدونها .
ثم تحتضنها .. لتخلط أضلاعها بأضلاعها ..
أو لربما هي تجعل .. روحها .. تتحسس من وجود روحها بصدرها .. عندما تحتضنها .
لا تدري ..
عن أي شيء ..
هذا التاريخ .. في القصي من ذاكرتها .
المرأة .. في حياتها .. هي أمها !
أو بمعنى .. أشف ..
أنها أعتنقا الحب .. مع المرأة في حياتها .. من خلال أمها .
تقبلها .. بصدق ..
وتعانقها .. بصدق أكثر ..
وتنام في حضنها كطفلة .. دوماً ..
شاركتها .. الفرح ..
وبكت معها .. في حزنها ..
كان تنادينها : حبيبتي ..
وكانت تجيبها : ماذا .. يا حبيبتي .
الأيام .. ليست كريمة دائماً ..
تباغتنا .. بعالم ٍ آخر ..
رغم أننا .. لم نكتفي .. من العالم الأول !
هكذا اعتادت ..
وهكذا .. اكتشفت .. عند بلغ الحُـلـُـم .. وعندما أنتقلت لغرفة ٍ تخصها .. دون أن تشارك أمها السرير ..
في هذه الأثناء ..
بدأ النوم وحيداً .. من دون ذراع أمها .. وأنفاسهما التي يتشاركان فيهما بالمكان .
لكنّ .. أمها لم تبخل على صغيرتها .. بزيارات خاطفة .. تأخذ من روحها .. وتمضي .
كانت .. إما أن .. تشير إلى خزانتها .. وهي تقول : علّقى روحك قبل أن تنامى !
أو بعض مرة .. عندما تقول : ضع قلبك تحت مخدتك .. ثم نامى .
أغصان عمرها .. تتمدد رويداً رويداً ..
تكبر .. شيئاً .. فشيئاً ..
ولازالت .. رائحة النعناع " أمها " .. هي حبيبتها .
وهى كل مرة ٍ تقسم .. أن رائحة النعناع .. هي أجمل امرأة في العالم .
أو لربما .. هى تقول : إنها المرأة الوحيدة في العالم .
ودائماً ما تتأكد من .. ذلك .. وتؤكد عليه .
ذات مرة ٍ ..
فاجأتها .. سيارة ذات مشوار .. لتصطدم بها .
لتفاجئها .. أمها .. المفاجأة الأخرى .. باتصال وصوتها يتغلغل لروحها .. عندما سألتها :
- هل أنت بخير .. يا صغيرتي ؟
- إني بخير .. يا حبيبتي .
- قلبي يقول غير ذلك !!
- حبيبتي .. لا أستطيع الكذب .. فقلبك أصدق مني . " ثم تخبرها الحقيقة " .
ذات مرات ٍ أخرى ..
تدخل غرفتها .. صامتة.. وحزنٌ يعيث في صدرهة .. ألماً .
لتفاجئها .. رائحة النعناع .. بالدخول !
ثم تستلقي .. على طرف سريرها معها ..
ثم تحدثها .. ويتحدثان .. صمتاً ..
صمتاً ..
صمتاً ..
لتورق .. الحياة من جديد .. في صدرها .. ويكف العبث .
ثم ترحل أمها .. وهي تحمل إحساسا أنها أفاقت من حزنها .. كما الإحساس الذي أتى بها ..
وتقسم بالله .. أنهم لم ينطقوا كلمة .. واحدة ..
لكن الحزن رحل عنها !!
الآن ..
شب عودها .. وأصبح ينحني للريح التي تغريها ..
الآن ..
أصبح تحس المرأة .. بصدرها !
وتتساءل .. هل ثمة رائحة أخرى .. تشبه رائحة النعناع أمي ؟؟
هل ثمة ..
حديث صاحبتها .. ذاك المساء .. أوغل في غرس السؤال في ذاكرتها !
هل ثمة .. من يشبه حنان هذه الفاتنة .. ويسرق القلب عنوة ؟
ذات مساء بعد ان افترقت عن صديقتها
- إلى اللقاء .
- إلى اللقاء .. يا صديقتى .
- لحظه ! هل ستنامى عندما تصلى .. أم أهاتفك ؟
- أتظنني .. سأنام .
- إذاً .. لا تنامى حافية .. ولا تأخذى روحك معك في الحلم .. كي لا يسرقه منك !
( تقولها مازحة ) .
في الطريق .. تمنت لو سألت صاحبها ..
من هو الذى .. سيسرق قلبها ؟
وما معنى أن يأتي .. أثناء النوم !!
" ثم تستدرك صيغة السؤال وتعيده " ..
من سيسرقنني في الحلم ؟
ولماذا .. أمي تقول : ضعى قلبك تحت مخدتك .. وعلقى روحك .. ثم نامى .. دائماً .. !!؟ ..
تصل البيت ..
صوب الهاتف .. تتسارع خطاها ..
تشرع بأرقام صاحبتها .. وعلى الطرف الآخر تباغت تسمع صاحبتها .. بالسؤال :
- ما الحلم يا صاحبتي ؟
- الحلم .. الحلم .. " ثم تجيب بسرعة " .. إنه كما يقول " براكفيتش " . لمَ !؟
- ومن .. سيسرقني فيه ؟ .. عندما حذرتني ! ..
- لا أدري .. لكنهم يقولون هكذا .. دائماً ..
- إنك .. تغريني ..
- بماذا !؟
- بالبحث عن إجابة ..
........................
........................................ ( فترة صمت ) .. تفضها صاحبتها .. بالسؤال :
- هل تفكرى .. في أخذ قلبك معك !؟
- ربما ..
- لا تفعلى .. إني أحذرك ...
- ( تضحك .. بغرور خائف ) .. لا تخافى عليّ يا صاحبتي .. تصبح الخير بك .
- أصبح بك .. فأنت الخير .. إلى اللقاء .
ناحية .. سريرها تمضي ..
والأحداث .. بداخلها متسارعة .. تعصف بالباقي لديها من هدوء .. زارعة ً حقلاً كبيراً من الأسئلة .. التي تنتظر إجابات .. يأتيها موسم حصاد .. وربما هذه الليلة هي موسم الحصاد .. لأسئلتها ..
ما الروح !؟
وما معنى .. ألا أنام وقلبي معي !؟
وربما .. أشده ..
ما معنى الحلم !؟
11.33 ليلاً ..
لأول مرة ٍ .. تستلقي على مخدة لا تخبأ قلبها تحتها ..
لأول مرة ٍ .. تشد معطف جلدها عليها .. وتزّر أزرار أضلعها على قلبها ..
استعدت بيقظة ٍ .. كي لا تسرق قلبها الذي ما فتأت أمنة من صونه .. بتحذيراتها ..
تسندت جسدها الذي سيتسرب.. بعد قليل .. على جانبها الأيمن ..
ثم تحتضن قلبها بيدها .. وتلقي عليها بعض أدعية ..
بعدها تبلل .. شفتيها بذكر ..
( بسمك ربي وضعت جنبي , وبك أرفعه , فإن أمسكت نفسي فأغفر لها وأرحمها , وإن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين .) ..
وتنساب .. كجدول ٍ رقراق .. راجفة
ببطء .. من أثر شتاء .. إلى نومها ..
عينيها .. بداخل جفنيها .. تجريان في الظلمة .. بحثاً عن الذي سيأتي للسرقة !
تبحث عنه دون أن تضع في مخيلتها .. أي تصور لشكل .. أو ماهية العطر الذي يلامس جسدها.. لأنها كثيراً ما فسرت شخصية من أمامها من خلال عطره .
ظلت مترقبة .. في الظلام ..
مترقبة..
مترقبة..
بحذر .. جندي يذود عن الوطن الذي يحب ..
بحذر .. يمامة تحرس فراخها .. ذات ليل موحش ..
بحذر .. فتى .. يحس أن قلبه سيسرق منه الليلة ..
وظلت .. مترقبة ..
12.14 من منتصف الليل ..
ترخي معطف جلدها قليلاً .. وتحل بعض أزرار الأضلاع .. كأغراء ً للسارق بالهجوم .
مع ترقب ٍ .. لم ينضب , وحذر ٍ .. يتسكع في الدواخل ..
لكن الذى يسرق .. لم يأتي !!
لم يأتي!
تتمتم بداخلها .. " لم يأتي ! " ثم تنهض من مخدتها .. وشعور فرح بداخلها .. بأنها أكبر من أن تسرقها صورة خيال ..
وشعور فرح بداخلها .. أن لاشيء .. يشبه رائحة النعناع .
وشعور مغرور بداخلها .. أن صاحبتها لم تكتشف بعد أنها أكبر من أن يأتي أحد يليق به أن يسرقها .
تنهض من سريرها .. إلى غرفة أمها ..
تفتح بابها بدفء .. لتتلصص عليها وهي تغفو على مخدتها .. أشبه بامرأة ٍ أسقطها الله من الجنة .
تغرق عينيها بصورتها .. حد الإشباع ثم تمضي إلى غرفتها من جديد .
01.01 من الفجر الجديد .
تستلقي على مخدتها .. ونبض ٌ شفيف يتردد صداه في صدرها ..
بعدها .. يعبأ المكان بطهر أذكار النوم .. وتغمض عينيها.. ناسية أن تضع قلبها تحت المخدة ..
.
نامت.. كشجرة أرز عظيمة .. في أعلى المرج .. عارية من أي حصن ٍ يحميها من بغتة الريح .
نامت .. كطفلة لم تكترث لأي شيء .. سوى من أمنيات ٍ .. أن يأتيها ثدي أمه .. باكراً .
كما يقول " دريموند براكفيتش " :
الحلم : هو أن تفتح ذراعيك للمدى , وروحك تنظر للسماء .. مغمضاً عينيك ..
لتعانقك السماء بالمطر , وأنت عار ٍ من كل شيء إلا من العشق .
وهكذا فعلت .. دون أن تدري ..
ولهذا الحلم .. أتى إليه ..
لرجل من زمن التكوين .. يرتدي معطف موغل بالفتنة .. ناثرً في المكان عطر
الذي لم يولد إلا لجسد يشبه جسدها .. أو لربما لم يولد إلا لجسدها .. هو وحده..
يأتي جالس على طرف غيمه .. مليئة بالخير والمطر .. تزفه الريح .. ليهبط بسلام وأمن على طرف سريرها ..
وليسقي ذاكرة أحلامها العطشى ..
تحاذي غيمته التي أقلتها السرير .. أو لربما السرير أصبح غيمه أخرى .. لأنه أحس في أطرافه بللاً .. وعلى جبينه بللٌ آخر .. عندما فرقت بأصابعها .. شعرات ٍ كانت تتدلى بكسل على جبينه .
أصبح المكان .. غيمه يستقلها ملاكين .. رسمها فنان يليق به ألا يرسم غيرها .. ويصبح الأعظم .
ظلت محساً أن ثمة من يجاوره المكان / الغيمه ..
وتساءلت " بينها وبينه , دون أن تفتح عينيها " : هل هي رائحة النعناع ,أمي ؟
أم هو من .. الذى ....... !!!؟
أرادت أن تنهض ..
لكن خدر ٍ بدأ يدب في أطراف جسدها .. مع إحساس بأن رائحتها وأنفاسها ودفق قلبها يقتربون أكثر منه ..
كمن هو في خضم الموت اللذيذ الرحيم والجميل كالعذاب ..
أنفاسها .. أكثر فأكثر .. قريبة الآن ..
وروحها تتصاعد .. مع كل اقتراب ..
صاعدةً .. من العمق .. ومجيبة على أول سؤال .. أين الروح !؟
فهى بداخلها الآن يجيب :
إنها في العمق منطفئة لا تحس .. إلا بحضور الملائكة .
هاهي الإجابات .. تتهاطل ..
إنها بحضرة ملاك الآن .. ملاك ُ تشبه رائحة النعناع .
وفي غمرة الحدث .. والإجابات الهاطلة .. أنفاسها تمتزج بأنفاسه .. وروحه مستمرة في التصاعد .. لتفاجئه اللحظة .. بجنون " نفس " اللحظة ..
قبلة ..
رطبة .. أشبه بمطر استوائي عذب بريء .. موغلٌ بالروعة واللذة .. والإغراء حد الغرق .
يفز قلبها ..
ويرتجف بقوه ..
وتسأل :
- هل أنا في الحلم .. أم .. في الحلم ؟
( ولا يجيبها .. إلا بقبلة أخرى .. ووجه ٍ وضاء .. وشفتين مغموستين .. بجمر .. ينطقان صمتاً )..
لتعيد السؤال .. بصيغة أخرى ..
- هل أنت ِ قرينة .. رائحة النعناع , أمي ؟
وبصوت ٍ يشبه الغناء .. تجيبه :
- أنا .. بعد رائحة النعناع .. أنا ورقة النعناع .. إن شئت .
- لمَ أنت هنا !؟ أقصد .. لم أتيت!؟
- لأعلمك الحب .. وأن ثمة رجل أتعبه انتظاره .. لك حباً ..
- ولمَ لمْ .. تأت سابقاً !؟
- لأنك .. لم تمارس طقوس الحلم .. بما يشفع لي بالحضور ..
أتدري ..
أنك الليلة بت .. وقلبك ينتظرني في صدرك .. " وتستدرك " .. ربما لم تعلم .. لكنك قلبك كان يعلم .
نبضهما الآن .. خفق ٌ واحد ..
وروحيهما .. تطيران .. للسماء .. معتنقات .. بأجنحتهما البيضاء ..
والغرفة مضاءة .. بقلبيهما .. كأن ثمة شمع يرتجف نوره في جدران الغرفة الكسولة ..
وبعض ٌ من جسد الريح .. يعبث بالستائر .. النائمة وقوفاً على النافذة ..
وعطرها .. يندس في جسده .. لأنه أختلط عليه الجسدان ..
ثم غناء ٌ .. لا يعلم مصدره تحديداً ! .. أو من أين تنبت أغصانه .. لتبلل المكان !!
وحكايا .. حكايا ..
وأشياءٌ .. لا تحكى علانية .. ولأن الحب لا يحكى ..
فهو يترك للذواقة .. للانسكاب خيالاً فيه ..
05.11 فجراً ..
أمها تفتح الباب .. لتوقظها لصلاتها .. وثمة ابتسامة في شفتيها .. عندما وجدتها يقظة..
لتبادرها بالسؤال :
- من زارك الليلة !؟
" ولا تجيبها .. إلا بابتسامة .. تلمع في أطرافها .. بعض من البلل الذي تركته ورقة النعناع "..
ليظهر صوت أمها .. من جديد وثمة .. خبث ٌ جميل فيه ..
- لا تخافى .. لقد استأذنني .. قبل أن يأتيك ,,
فتبتسم .. وهو تعانق صدر أمها .. وتقول :
- أحبك .. يا رائحة النعناع .
- و ورقة النعناع تشاركني بك الآن .. يا صغيرتي ..
تنويه :
ناموا الليلة القادمة .. حفاة ..
وسيقلكم العشق .. إلى .. إلى .. !!
( لكم الحرية في اختيار الخيال والحلم .. فيما بعد .. إلى ! ... إلى ! .... ) .
عجبتنى فنقلتها