>( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ )<
أهمية الوقت
إن للوقت أهمية عظيمة لا تخفى على من أدرك حقيقته ، وهو أنه مكان نزول الأعمال وقيامها ، كما أن الأرض هي مكان ارتفاع البناء ، فهو المادة الأساسية الأولى في إنشاء المشاريع في عمر الإنسان ، ومن هنا أقسم الله تعالى به في كتابة الحكيم ، وسمى به سورة من أقصر سور القرآن الكريم !! وهي سورة العصر ، فقال تعالى : ( وَالْعَصْرِ ) ، والقسم لا يكون إلا على شيء معظم ومهم عند السامعين ثم تستمر السورة في بيان أهمية الوقت مبينة أن عمر وحياة الإنسان في نقصان مستمر ، فالأوقات هي رأس مالك أيها الإنسان وهي تنقضي يوماً بعد يوم كلما ذهب منها يوم ذهب بعضك ، قــال الشاعر :
دقـات قـلب الـمرء قـائـلـة لـه ........ إن الـحـيـاة دقـائـق وثـوانـي
فاعلم يا رعاك الله : أن هذه الأوقات التي تمر عليك إنما هي عمرك يمر من بين جنبيك ، فتفقد نفسك لا تضيعها ، وتحسس حياتك لئلا تنقضي بلهو أو لعب ، وإذا رأيت الشيب قد اشتعل في لحيتك وراسك قلت يا حسرتى على ما ضيعت من عمري .
استشعر نعمة الله عليك بالفراغ ، واستحضر رضي الله عنك في أوقاتك ، فلا تبذر فيها ولا تصرفها في غير مصارفها فهي – بحق – رأس مالك ،، وهي عمرك ،،،، هي أنت .
قال الحسن : إنما أنت أيام مجموعة ، كلما مضى يوم بعضك ! وقال داود الطائي : إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي ذلك بهم على آخر سفرهم ، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها ، فافعل ، فإن انقطاع السفر عن قريب ماهر ، والأمر أعجل من ذلك ، فتزود لسفرك ، واقض ما أنت قاض من أمرك ، فكأن بأمر قد بغتك .
وقال بعض الحكماء : من كانت الليالي والأيام مطاياه ، سارت به وإن لم يسر .
وقال الفضيل بن عياض لرجل : كم أتت عليك
قال : ستون سنة .
فقال الفضيل : وأنت منذ ستين سنة تسير على ربك يوشك أن تبلغ .
فقال الرجل : إنا لله وإنا إليه راجعون .
فقال الفضيل : أتعرف تفسيره ! أنا لله عبد وأنا إليه راجع ، فليعلم أنه موقوف ، ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسؤول ، ومن علم أنه مسؤول ، فليعد للسؤال جواباً .
فقال الرجل : فما الحيلة !
قال الفضيل : يسيرة !
قال الرجل : ما هي !
قال الفضيل : تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى ، فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى وما بقي .
نسير على الآجــال في كل لحظة .......... وأيـامـنـا تـطـوى وهـن مـراحــلُ
ولــــم أر مثل الــموت حقاً كأنــهُ .......... إذا مـا تـخـطـته الأمــاني بـاطــلُ
وما أقبح التفريط في زمن الصبا ........... فكيف به والشيبُ للـرأس شامــلُ
تــرحـل من الدنيا بزاد من التقى ........... فــعـمـرك أيــام وهـــن قـــلائــلُ
فهل أدركت – أخي الحبيب - قيمة الوقت ، وعلمت حقيقته ، واستشعرت أن وقتك أمامك أمانة في عنقك تستلزم منك القيام بحق العبودية للخالق سبحانه . ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )،،( الأنعام : 162 ) .
مقبرة الأوقات
وقتك هو أنت ، فإذا ضيعته فإنما تضيع نفسك ، فيا أخي أحرص على وقتك من نفسك ، وحذار على عمرك من شيطانك فإنه عدوك الأول ، يشغلك بالمباحات عن المستحبات وإن استطاع فإنه يغرقك في أوحال المعاصي والسيئات ، حتى يفنى العمر وأنت تجرب معصية وتنتقل من سيئة إلى سيئة – عافاك الله وحرسك .
لا تغتر – يالأخي الحبيب – بتزيين الشيطان أو النفس أو الهوى للملهيات أو المباحات فقد قال تعالى ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ )،،،( آل عمران : 14 ) .
وتعالى – يا أخي – نحذر معاً من مقابر الأوقات كما ذكرتها الآية الكريمة ، إنها النساء فقد قال الله في هذه الآية : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ ) . فهل حذرت من هذه المقبرة الأولى ؟ هل امتنعت من إرسال النظر إلى النساء المحرمات وغضضت البصر من أول نظرة ؟ أم تابعت النظرة وراء النظرة ، وفي كل منها سهم مسموم يفتك بك .... ويسري سمه إلى قلبك فيمرضه ، ويجري مع دمك فيفسده .
أما المقبرة الثانية فالبنون ، قال سبحانه ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ ) البنون ؟ نعم إنهم – ما لم تتق الله فيهم – محرقة الأوقات ، ومشغلة عن الطاعات والقيام بالواجبات ، ألم تقرأ قوله تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ )،،،( الأنفال : 28 ) .
وقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ )،،،( النافقون : 9 ) . وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ )،،،( التغابن : 14 - 15 ) .
وقد يكون الأولاد سبباً في كسب الحرام وعدم التحري في الحلال ؛ فيضيع الوقت الوقت ويخسر العمر في سبيل إرضاء من سيتخلى عنه ويتبرأ منه ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ)،،،( عبس : 34 – 36 ) .
وأما الثالثة : فإنها حب الأموال على اختلاف أنواعها ، فكم من مضيع لعمره ووقته في جمعها وعدها وتكثيرها حتى ألهته وصارت غايته بدلاً من أن تكون وسيلة قال تعالى ( أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ )،،،( التكاثر : 1 – 2 ) . وهل يملأ عين ابن آدم التراب ؟ ولو كان له واديان من ذهب لتمنى معهما ثالثاً .. فتضيع الأعمار ، وتزهق الأرواح في سبيل الأموال ، من سيارات وعقارات وأسهم وسندات ودنانير ودولارات ، وانشغال فيها عن إقامة الصلوات ، وبخل بها عن أداء الزكوات ، بل وجري في تحصيلها ولو كان فيها
قطيعة ذوي القربى والأرحام ، وتحرق الأوقات ، وتنتهي الأعمار التي جمعت هذه الأموال ، ثم ... ماذا ؟ يبقى المال لممن ترك من الأحياء ،ويذهب جامعه بخرقة بيضاء في قبره ليحاسب عن كل ما جمع ، كيف اكتسبه ؟ وفيم أنفقة ؟ فالوقت – أخي – لا يضيعك بقضائه في الشهوات ولا يفنك بملئه بالمعاصي والسيئات ، ولا تغتر بأحوال العصاة ، ( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ )،،،( آل عمران : 196 - 197 ) .
يا غافل القلب عن ذكر المنيات .......... عمـا قلـيل سـتـثـوي بـين أمـوات
فاذكر محلك من قبل الحلول به .......... وتـب إلــى الله مـن لـهـو ولـذات
إن الحمام لــه وقـت إلـى أجــل ......... فـاذكـر مـصائب لأيـام وساعات
لاتطمئن إلــى الـدنيا وزيــنـتها ......... قد حان للموت ياذا اللب أن يأتي
يقول ابن الجوزي – رحمه الله – " رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً : إن طال الليل فبحديث لا ينفع ، أو بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر .
وإن طال النهار فبالنوم ، وهم على أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق ، فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم ، وما عندهم خبر ، ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود فهم في تعبئة الزاد والتأهب للرحيل إلا أنهم يتفاوتون وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد الإقامة ، فالغافلون منهم يحملون ما اتفق ، وربما خرجوا مع خفير ، فكم ممن قد قطعت عليه الطريق فبقى مفلساً !!
فالله الله في مواسم العمر ... و البدار البدار قبل الفوات ... واستشهدوا العلم ، واستدلوا الحكمة ، ونافسوا الزمان ، وناقشوا النفوس " أ . هـ .
وأي قبر للأعمار قبل بلوغها آجالها مما يقع من شباب الأمة بل وكبارها في متابعة أخبار الفن التافهة الساقطة ، أو قتل الأوقات النفسية كانتظار صلاة أو اعتكاف أو قيام ليل أو حضور مجلس علم ، على خشبات المسارح أمام أهل التبرج والسفور والكذب والتزوير ، أو في دور السينما التي هي وكر لإفساد أخلاق شباب الأمة وقتلهم وهم أحياء .
إما التلفاز الذي يكاد لا يسلم منه بيت مع هذه المحطات الفضائية التي غزت المسلمين حتى في جوف غرف نومهم ؟!! إلا من رحم وصارت معاول تنزع الحياة من وجوه النساء والأبناء والأب غافل وراء أعمال ومشاريعه ، كما أنها صارت منبراً ينطق فيه الروي بضه بأمور العامة ، وكأنه قد ملك وحكم وأمر ونهى ، ينظر ويخطط لمستقبل الأمة ، وليس له من الأمر نصيب ، وإنما هي أحلام من الخيال يضيع بها أوقات السذج والأبرياء . والمباريات التي صارت هدفاً لكثير من الجماهير ، فتعطل الأعمال وتنفق الأوقات بالساعات الطوال لمشاهدة وحضور كأس العالم في كرة القدم !! وربما طال اللعب فتمر الصلاة والتي بعدها وملايين من الشباب عاكفون أمامها تعلقت قلوبهم
بأقدام اللاعبين كلما ركل لاعب بقدمه الكرة قفز القلب مع ركلته ، وهؤلاء يجعلون قدرتهم رجل ( مارا دونا ) السكير المقامر الكافر الذي طاقية الحاخام ويبكي أمام حائط المبكي قبل ذهابه إلى كأس العالم سنة 1990 م وسنة 1994 م فيا ضيعة الأوقات ، ويا خسارة الأعمار !!! أعلى مقامر سكير كافر تنفق الأموال والساعات !!!
كثرة الخلطة مضيعة للأوقات
إن مجالس أهل الدنيا والإكثار من الحديث معهم مضيعة للوقت تقطع على الإنسان طريقه إلى الآخرة ، والواحد منهم قبر يسعى إلى قبر مثله ، فإن قدر لك أن ابتليت بقبر يسعى فارحل عنه وفر منه .
يقول ابن القيم :- رحمه الله – " فأما ما تؤثره كثرة الخلطة : فامتلاء القلب من أنفاس ابن آدم حتى يسود ويوجب له تشتتاً وتفرقاً ، وهما ، وغماً وضعفاً ، وحملاً لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء وإضاعة مصالحه والاشتغال عنها بهم وبأمورهم ، وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم ، فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة ؟!!!
وكم جلبت خلطة الناس من نقمة ، ودفعت من نعمة ، وأنزلت من محنه ، وعطلت من منحة ، وأحلت من رزية ، وأوقعت في بلية ، وهل آفة الناس إلا الناس ؟!!
وهل كان على أبي طالب – عند الوفاة – أضر من قرناء السوء ؟ فلم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمة واحدة تجلب له سعادة الأبد .
والضابط النافع في أمر الخلطة أن يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعة والأعياد والحج ، وتعلم العلم ، والجهاد ، والنصيحة ، ويعتزلهم ، في الشر وفضول المباحات ، وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه ، ويشجع نفسه ويقوي قلبه ، ولا يلتفت إلى الوارد الشيطاني القاطع له عن ذلك ، بأن هذا رياء ، ومحبة لإظهار علمك وحالك ، ونحو ذلك ، فليحاربه ، وليستعن بالله ، ويؤثر فيهم من الخير ما يمكنه ، فإن أعجزته المقادير عن ذلك فليسل قلبه من بينهم كسل الشعرة من العجين ، وليكن فيهم حاضراً غائباً ، قريباً بعيداً ، نائما يقظان ، ينظر إليهم ولا يبصرهم ، ويسمع كلامهم ولا يعيه ، لأنه قد أخذ قلبه من بينهم ، ورقى به إلى الملأ الأعلى ، يسبح حول العرش مع الأرواح العلوية الزكية ، وما أصعب هذا وأشقه على النفوس ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه ، فبين العبد وبينه أن نصدق الله تبارك وتعالى ، ويديم اللجأ إليه ، ويلقى نفسه على بابه
طريحاً ذليلاً ، ولا يعين على هذا إلا محبه صادقة ، والذكر الدائم بالقلب : أ ، هــ .
استثمار الوقت بالأعمال الصالحة
يقول ابن الجوزي – رحمه الله – " ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه ، وقدر وقته ، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة ، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل . ولتكن نيته في الخير قائمة – من غير فتور – بما يعجز عنه البدن من العمل .
وقد كان جماعة من السلف يبادرون اللحظات :
فنقل عن عامر بن عبد قيس أن رجلاً قال له : كلمني . فقال له : امسك الشمس !!
وقال ابن ثابت ألبناني . ذهبت ألقن أبي ، فقال : يأبني دعني ، فإني في وردي السادس .
فإذا علم – وإن بالغ في الجد – أن الموت يقطعه عن العمل ، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته ، فإن كان له شيء من الدنيا وقف وقفاً ، وغرس غرساً ، وأجره نهراً ، ويسعى في تحصيل ذرية تذكر الله بعده ، فيكون الأجر له . وأن يصنف كتاباً من العلم ، فإن تصنف العالم ولده والمخلد ، وأن يكون عاملاً بالخير ، عالماً فيه ، فينقل من فعله ما يقتدي الغير به ، فذلك لم يمت .
( قــد مــات قــوم وهــم فـي الـنـاس أحـيـاء ) أ . هــ .
فهل تريد حقاً استثمار الأوقات فاقرأ قوله – صلى الله عليه وسلم – " سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته : من علم علماً ، أو جرى نهراً ، أو حفر بئراً ، أو غرس نخلاً ، أو بني مسجداً ، أو ورث مصحفاً ، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته " فهذا هو الحي حقيقة ، وهو من جرى له الأجر ولو بعد وفاته ، وهو ميت في قبره ، ولكنه حي في عمله ، لا تزال آثاره باقية ، بما استثمر في حياته، بالأعمال الصالحة ، فشتان بين من كان ميتاً وهو حي ، ومن كان حباً وهو ميت !!
فالأول : استعجل أجله ، وقبر عمره ، بتضييع الأوقات ، أما الثاني : فاستثمر عمره ، وأطال أجله ، باغتنام الأعمال الصالحة قبل وفاته ... فأيهما أنت ؟!!
في مستدرك الحاكم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لرجل وهو يعظه : " اغتنم خمساً قبل خمس :
شـبـابـك قبل هـرمك ،
وصحتك قبل سقمك ،
وغـنـاك قـبـل فقرك ،
وفراغك قبل شغلك ،
وحياتك قبل مماتك ،"
فهذا الحديث دال على لزوم اغتنام الأوقات واستثمارها ، ولو نظرت – أخي الحبيب – في أحوال الناجحين في الدنيا
لرأيتهم أكثر حفاظاً على أوقاتهم ، وأعلم بتوظيفها على أحسن وجه ... والمؤمن الموفق هو العالم بأحوال الأعمال وأوقاتها المناسبة لها ، فتجده يأتي بكل عمل في عمل في وقته لا يقدم مستحباً على واجب ، ولا يؤخر واجباً عن وقته ولا يفرط في حق على حساب آخر .
قال بكر المزني :" مأمن يوم أخرجه الله إلى الدنيا إلا يقول : يا ابن آدم ، اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي ، ولا ليلة إلا تنادي : ابن آدم : اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي " . وقال بعضهم :
اغتنم في الفـراغ فضل ركوع ........... فعسى أن يكون موتك بغتة
كم صحيح رأيت من غير سقم ........... ذهبت نفسه الصحيحة فلته
هذه هي حياة العلماء وهكذا كانت أيامهم ولياليهم ، لا تمر عليهم ساعة إلا وفيها غنيمة ، واستزاده في الطاعة ، فعرفوا ، قدر ساعاتهم وأنها محصية من أعمارهم ، أنشد أبو الوليد الباجي :
إذا كنت أعلم علماً يقيناً .......... بـأن جـميع حيـاتـي كـساعة
فلـم لا أكون ضنيناً بـها .......... وأجعلها في صلاح وطاعة
وقال ابن نباته السعدي :
أعاذلتي على إتعاب نـفسي .......... ورعيي في الدجى روض السهاد
إذا شام الفتى برق المعالي .......... فـــأهـون فـائـت طــيـب الــرقــاد
وقال آخر :
ومـا بـيـن مـيلاد الـفـتـى ووفـاته ......... إذا نصح الأقوام أنفسهم عمر
لأن الذي يأتي شبيه الذي مضى ......... وما هو إلا وقتك الضيق نـزر
نسأل الله تعالى الإخلاص في القول والعمل ، وأن يتقبل منا عملنا ويبارك لنا فيه ،
ونعوذ به أن نشرك به شيئاً نعلمه ونستغفره لما لا نعلمه ؛ إنه سميع قريب مجيب .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين