. الدعاء الذي أنكره العلماء أو بعضهم في خطبة الجمعة:
بعدما تبين مشروعية الدعاء في الجملة في خطبة الجمعة وتقرر استحبابه، يحسن إكمال البحث ببيان ما أنكره العلماء في هذا الباب، وفي بعض ذلك خلاف، فمن ذلك:
أ- رفع الخطيب يديه في الدعاء:
وقد تقدم حديث عمارة بن رويبة وفيه إنكاره رضي الله عنه ذلك على بشر بن مروان، قال الشوكاني في النيل (3/271) بعد هذا الحديث وحديث سهل: "الحديثان يدلان على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء وأنه بدعة".
وأخرج أحمد (4/105) عن غُضيف بن الحارث الثمالي قال: بعث إلي عبد الملك بن مروان فقال: يا أبا أسماء، إنا قد جمعنا الناس على أمرين، قال: وما هما؟ قال: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر، فقال: أما إنهما أمثل بدعتكم عندي، ولست مجيبك إلى شيء منهما، قال: لم؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة)) فتمسكٌ بسنة خير من إحداث بدعة.
جوّد إسناده الحافظ في الفتح (13/253)، ورمز له السيوطي بالحسن، وفي ذلك نظر، قال الهيثمي في المجمع (1/188): "فيه أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم وهو منكر الحديث"، ولذا ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (37).
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (2/55) عن الزهري قال: (رفع الأيدي يوم الجمعة محدث)، وأخرج أيضاً عن عبد الله بن مرة قال: رفع الإمام يوم الجمعة يديه على المنبر، فرفع الناس أيديهم، فقال مسروق: (قطع الله أيديكم).
والقول برفعهما وجه في مذهب الحنابلة، قال شيخ الإسلام كما في الاختيارات (ص80): "ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة، وهو أصح الوجهين لأصحابنا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يشير بأصبعه إذا دعا، وأما في الاستسقاء فرفع يديه لما استسقى على المنبر"، وقال المرداوي في الإنصاف (5/245-246): "وقيل: يرفعهما، وجزم به في الفصول، وهو من المفردات، وقيل: لا يستحب، قال المجد: هو بدعة".
وقال ابن مفلح في المبدع (2/164): "قال المجد: هو بدعة، وفاقاً للمالكية والشافعية وغيرهم".
ب- الدعاء لمعيّن أو على معيّن:
وقد اختُلف في ذلك، فقال الشافعي في الأم (1/180): "فإن دعا لأحد بعينه أو على أحد كرهته، ولم تكن عليه إعادة".
وبوَّب البيهقي في سننه الكبرى (3/217): "باب ما يكره من الدعاء لأحد بعينه أو على أحد بعينه في الخطبة"، وأخرج فيه بسنده عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب أن لا يسمى أحد في الدعاء.
وقال المرداوي في الإنصاف (5/243): "ويجوز لمعيّن مطلقاً".
ج – الدعاء للسلطان:
واختُلف في ذلك أيضاً، فقيل: هو بدعة، وقيل: هو جائز، وقيل: هو مستحب.
فقال بالمنع منه عطاء بن أبي رباح، فقد سئل عن ذلك فقال: إنما أُحدث، وإنما كانت الخطبة تذكيراً، أخرجه الشافعي في الأم (1/179-180)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى عن عبد المجيد عن ابن جريج عنه، قال النووي في المجموع (40/518): "هو إسناد صحيح إلا عبد المجيد فوثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وضعفه أبو حاتم الرازي والدارقطني".
وقال القاضي ـ كما في المغني (3/181) ـ: "لا يستحب ذلك؛ لأن عطاء قال: هو محدث". وكذا قال الشيرازي في المهذب.
وقال النووي في المجموع (4/521): "وأما الدعاء للسلطان فاتفق أصحابنا على أنه لا يجب ولا يستحب، وظاهر كلام المصنف وغيره أنه بدعة؛ إما مكروه وإما خلاف الأولى، هذا إذا دعا له بعينه، فأما الدعاء لأئمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والإعانة على الحق والقيام بالعدل ونحو ذلك ولجيوش الإسلام فمستحب بالاتفاق، والمختار أنه لا بأس بالدعاء للسلطان بعينه إذا لم يكن مجازفة في وصفه ونحوها والله أعلم".
وقد استثنى بعضهم من المنع ما إذا خاف الخطيب الضرر على نفسه، قال الحافظ في الفتح (2/415): "وقد استُثنِي من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع مثل الدعاء للسلطان مثلا، بل جزم صاحب التهذيب بأن الدعاء للسلطان مكروه، وقال النووي: محله ما إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمور مطلوب، اهـ. ومحل الترك إذا لم يخف الضرر، وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه والله أعلم".
وقال أحمد الدردير في الشرح الكبير (1/387): "وهو مكروه إلا أن يخاف على نفسه كما هو الآن".
وقال الطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح (ص 334) مبينا جوازه وأنه ليس بسنة ولا بدعة: "وسُن الدعاء فيها للمؤمنين، وجاز الدعاء للسلطان بالعدل والإحسان، وكره تحريما وصفه بما ليس فيه".
وأما القول بالاستحباب فقال ابن قدامة في المغني (3/181): "وإن دعا لسلطان المسلمين بالصلاح فحسن، وقد روى ضبّة بن محصن، أن أبا موسى كان إذا خطب فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لعمر وأبي بكر، وأنكر عليه ضبة البداية بعمر قبل الدعاء لأبي بكر، ورفع ذلك إلى عمر، فقال لضبة: أنت أوفق منه وأرشد، وقال القاضي: لا يستحب ذلك ؛ لأن عطاء قال: هو محدث. وقد ذكرنا فعل الصحابة له، وهو مقدم على قول عطاء ؛ لأن سلطان المسلمين إذا صلح كان فيه صلاح لهم، ففي الدعاء له دعاءٌ لهم، وذلك مستحب غير مكروه".
وقال المرداوي في الإنصاف (5/243-244): "وقيل: يستحب للسلطان، وما هو ببعيد، والدعاء له مستحب في الجملة، حتى قال الإمام أحمد وغيره: لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها لإمام عادل؛ لأن في صلاحه صلاح للمسلمين".
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/232-233): "الأفضل إذا دعا الخطيب أن يعم بدعوته حكام المسلمين ورعيتهم، وإذا خصّ إمام بلاده بالدعاء بالهداية والتوفيق فذلك حسن، لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين إذا أجاب الله الدعاء".
الشيخ عبد الله بن قعود الشيخ عبد الرزاق عفيفي
الشيخ عبد الله بن غديان الشيخ عبد العزيز بن باز