الخطبة الأولى
قال الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]، هذا الشهر المبارك موسم خير، وموسم عبادة، في شهر رمضان تتضاعف همة المسلمللخير وينشط للعبادة أكثر، ويقبل على ربه سبحانه وتعالى رجاء رضاه ورجاء مغفرته، وربنا الكريم تفضل على المؤمنين الصائمين فضاعف لهم المثوبة وأجزل لهمالعطاء، فهو موسم تكفير السيئات ورفعة الدرجات .
اعلموا أيها المؤمنون الصائمونأن من أعظم الأعمال في هذا الشهر الكريم الصيام.
ففي الصحيحين عن أبي سعيدالخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من صام يوماً في سبيل الله باعدالله وجهه عن النار سبعين خريفاً)). أي سبعين سنة.
فإذا كان صيام يوم واحد يباعد العبد عن النار سبعين سنة فما بالك بصيام شهر رمضان كله.
والصيام طريق إلى الجنة وباب من أبوابها, فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلىالله عليه وسلم قال ((إن للجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون ولا يدخل منه أحد غيرهم)).
والصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليهوسلم قال: ((الصياموالقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: رب منعتهالشراب والطعام فيالنهار فشفعني فيه, ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه, قال:فيُشَفَّعَان)) أي يقبل الله جل شأنه شفاعتهما ويدخله الجنة. رواه أحمد والطبراني (الفتح الرباني 9/216 ومجمع الزوائد 10/381).
وصيام شهر رمضانخصوصاً يمحو الذنوب ويكفر السيئات ففي الصحيحين من حديث أبيهريرة رضي الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفرله ما تقدم من ذنبه)), وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات مابينهن ما اجتنب الكبائر)).
واعلموا أن من أجل الأعمال وأعظمها في هذا الموسمالسنوي صلاة التراويح مع الإمام حتى ينصرف، ولا تغفل أيها المسلم عن آخر الليل، فإن عمر رضي الله تعالى عنه يقول: (والتي ينامون عنها أفضل من التييقومون) وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم نادباً أمته إلى قيام الليل ((ياأيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام, وصلوا والناس نيام, تدخلوا الجنة بسلام)), وقال صلى الله عليه وسلم في قيام شهر رمضان على وجه الخصوص: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)), وقال عن مزية القيام مع الإمام في صلاة التراويح: ((من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)) أيينتهي من صلاته، كأنما قام تلك الليلة كلها في الفضل والثواب.
واعلمواأيها المؤمنون الصائمون أن من أجل الأعمال وأعظمها أيضاً في هذا الموسم الكريمقراءة كتاب الله عز وجل وتلاوته، فهذا شهر القرآن كان الرسول صلى الله عليهوسلم يلتقي فيه بأمين وحي رب العالمين جبريل يدارسه القرآن,وقال صلى اللهعليه وسلم: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنةبعشر أمثالها لاأقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)), والقرآنيشفع لصاحبه يومالقيامة, في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف البقرة وآلعمرانبالزهراوين وقال: ((إنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتانيحاجانعن صاحبهما)) أي عن الذي يحفظهما ويقرأ بهما دائماً, يأتيان يذبان عنهويدافعان ويحاجان عنه يوم القيامة, وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن سورة تبارك: ((إنها شفعت لرجل حتى غفر له)) أخرجه الترمذي وحسنه الألباني (2315).
فعليكم بهذا الكتاب العظيم اقرؤوا كتاب الله عزوجل وأكثروا من تلاوته في هذا الشهر المبارك .
واعلموا ـ أيها المسلمون ـأن من أجل الأعمال أيضاً وأعظمها وخاصة في هذاالموسم العظيم صلة الرحم والصدقةعلى الفقراء والمساكين والمحتاجين, فهذا الشهرشهر البذل والإنفاق والجود والكرم,وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرمالناس وأعظمهم جوداً وكرماً وبذلاًوسخاءً وإنفاقاً, يعطي عطاء من لا يخشى الفقرقط، وكان صلى الله عليه وسلم إذاجاء هذا الشهر الكريم يكون أعظم ما يكونجوداً وكرماً مثل الريح المرسلة كماقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
والصدقة من أعظم أبواب البر, قال رسولالله صلى الله عليه وسلم: ((والصدقة برهان))أي دليل على صدق إيمان العبد لأنهبذلك يكون قد تغلب على الطبيعة المغروسةفي الإنسان وهي الشح, وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ [التغابن:16].
وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإكثار منالصدقة فقال: ((أيها الناس تصدقوا)) وقال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)),وأمر النساء على وجه الخصوص بالإكثار منالصدقة فقال صلى الله عليه وسلم:((تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار)) ويعظم أجر الصدقة عندما تكون صدقة سر, تلكالصدقة التي تنفقها بيمينك فلا تعلم شمالك بهذه النفقة مبالغة في السر بحيثتكون أبعد عن الرياء والسمعة، هذه الصدقة تطفئ غضب الرب كما أخبر بذلك المصطفىصلى الله عليه وسلم فقال: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة السر تطفئغضب الرب, وصلة الرحم تزيد في العمر)).
واعلموا أيها المؤمنون أن من أعظمالأعمال وأجلها في هذا الموسم الكريم العمرة، فإنها تعدل حجة مع النبي صلىالله عليه وسلم ففي الصحيحين عن ابن عباس رضيالله عنهما أن النبي صلى اللهعليه وسلم قال لامرأة من الأنصار: ((إن عمرة فيه ـ أي رمضان ـ تعدل حجة معي)).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكرالحكيم, أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .