وعن يحيى ابن أبي كثير قال :‹‹ تعلَّموا النية ، فإنها أبلغ من العمل ›› .
وعن زُبَيْـد اليامي قال : ‹‹ إنى لأُحِبُّ أن تكون لي نيةٌ في كُلِّ شيءٍ ، حتى في الطعام والشراب ›› .
وعن سُفيان الثورىِّ قال : ‹‹ ما عالجتُ شيئًا أشدَّ عَلَىَّ مِن نِيَّتي ، لأنها تتقلَّبُ عَلَىَّ ›› .
وعن مُطَرِّف بن عبد الله قال : ‹‹ صلاحُ القلب بصلاح العمل ، وصلاحُ العمل بصلاح النيَّة ›› .
وعن بعض السلف قال : ‹‹ مَن سَرَّه أن يَكْمُلَ له عملُه ، فليُحسن نيته ، فإن الله عَزَّ وَجَلَّ يأجرُ العبدَ إذا حسن نيته ، حتى باللقمة ››.
وعن ابن المبارك قال : ‹‹ رُبَّ عملٍ صغيرٍ تُعَظِّمُه النية ورُبَّ عملٍ كبيرٍ تُصَغِّره النية ›› .
والنيَّـةُ في كلام العلماء تقعُ بمَعنيين : -
- أحدهما : بمعنى تمييز العبادات بعضها عن بعض ؛ كتمييز صلاة الظهر من صلاة العصر مثلا ، وتمييز صيام رمضان من صيام غيره .. أو تمييز العبادات من العادات ؛ كتمييز الغُسل من الجنابة من غسل التبرُّد والتنظُّف ، ونحو ذلك .... وهـذه النية هي التي توجد كثيرًا في كلام الفقهاء في كتبهم .
- والمعنى الثاني : بمعنى تمييز المقصود بالعمل ، وهل هو لله وحده لا شريك له ، أم غيره ، أم الله وغيره .... وهـذه النية هى التي يتكلم فيها العارفون في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه ، وهي التي توجد كثيرًا في كلام السلف المتقدِّمين .
والنيَّـةُ : هي قصد القلب ، ولا يجب التلفظ بما في القلب في شيءٍ من العبادات .
وبهذا يُعلَمُ معنى ما رُوى عن الإمام أحمد أنَّ أصولَ الإسلام ثلاثةُ أحاديث : حديث (( الأعمال بالنيات )) ، وحديث (( مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رَدّ )) وحديث ، (( الحلالُ بَيِّن والحرامُ بَيِّن )).. فإنَّ الدينَ كُلَّه يَرجعُ إلى فِعل المأمورات ، وترك المحظورات والتوقف عن الشبهات ،، وهذا كلُّه تضمَّنه حديثُ النعمان بن بشير .. وإنما يتم ذلك بأمرين :
- أحدهما :
أن يكون العملُ في ظاهره على مُوافقة السُّنَّة وهذا هو الذي تضمَّنه حديثُ عائشة (( مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رَدّ )) .
- والثاني :
أن يكون العملُ في باطنه يُقصَدُ به وجه اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، كما تضمَّنه حديثُ عمر(( الأعمالُ بالنيات )) .
وقال الفُضيلُ في قوله تعالى : (( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )) الملك/2 ، قال : أخلصه وأصوبه .. وقال : ‹‹ إنَّ العملَ إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل ، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل ، حتى يكون خالصًا صوابًا ›› ، قال : ‹‹ والخالِصُ إذا كان لله عَزَّ وَجَلَّ ، والصوابُ إذا كان على السُّنَّة ›› ..
وقد دَلَّ على هذا الذي قاله الفُضيل قولُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أحَدًا )) الكهف/110.
فأخبر النبىُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - أنَّ هذه الهجرةَ تختلفُ باختلاف النيِّات و المَقاصِد بها ، فمَن هاجر إلى دار الإسلام حُبُّاً لله ورسوله ، ورغبةً في تعلُّم دين الإسلام وإظهار دينه ، حيث كان يعجز عنه في دار الشِّرك ، فهذا هو المهاجرُ إلى الله ورسوله حقا ، وكفاه شرفًا وفخرًا أنَّه حصل له ما نواه من هجرته إلى الله ورسوله .. ولهذا المعنى اقتصر في جواب الشرط على إعادته بلفظه ، لأنَّ حصولَ ما نواه بهجرته نهاية المطلوب في الدنيا والآخرة .. ومَن كانت هجرتُه من دار الشِّرك إلى دار الإسلام ليطلب دنيا يُصيبها ، أو امرأةً يَنكحها في دار الإسلام ، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه من ذلك .. فالأول تاجر ، والثاني خاطب ، وليس واحدٌ منهما بمهاجر .
وفي قوله :(( إلى ما هاجر إليه )) : تحقيرٌ لِمَا طلبه من أمر الدنيا ، واستهانةٌ به حيث لم يذكره بلفظه .. وأيضًا فالهجرةُ إلى الله ورسوله واحدةٌ فلا تعدُّدَ فيها ، فلذلك أعاد الجوابَ فيها بلفظ الشرط .. والهجرةُ لأمور الدنيا لا تنحصر ، فلذلك قال : (( فهجرتُه إلى ما هاجر إليه )) يعني كائنًا ما كان
قال ابن مسعود : ‹‹ لا تعلَّموا العِلمَ لثلاث لتُماروا به السُّفهاء ، أو لتُجادِلوا به الفُقَهاء ، أو لتصرفوا به وجوهَ الناسِ إليكم ، وابتغوا بقولكم وفِعلكم ما عند الله ، فإنه يبقى ويَذهبُ ما سواه ›› .