أقوى من الحديد .. والنار .. والريح .. والجبال
ألا ترون إلى المتصدق وهو يعلو فوق رغبات النفس ؟! ..
النفس التي تقول له :
إنك أولى بهذا المال، أولادك وأهلك أحق به،
أما تعبت في جمعه ؟
ألم تبذل علمك في سبيل تحصيله ؟
ألم تنفق الوقت في تكثيره ؟
ما بالك اليوم إذن تسعى إلى تضييعه على
أناس قعدوا ولم يتعبوا،
وناموا ولم يسهروا ..وأراحوا أذهانهم ولم يفكروا ويدبروا؟!..
في النفس شح يمنع صاحبها من الإنفاق
على الفقراء والمساكين والأرامل ..
يمنعه من التصدق على الأيتام والمحتاجين،
يحول بينه وبين البذل،
بذل الأموال في سبيل الله تعالى.
ومن ينجح في التغلب على هذا الشح،
والانتصار على تلك النفس
الأمارة بالبخل، والتصدي للشيطان الذي يخوّف
من يحدث نفسه بالتصدق، يخوفه بنقص المال والفقر..
من ينجح في هذا كله فإنه– بلا شك –
يملك قوة إيمانية طيبة.
فإذا ما اقتحم المؤمن المسلم هذه العقبة برزت له
عقبة أخرى أشدوأمنع، إنها عقبة رغبة النفس في
إظهار هذا التصدق، في إعلام الآخرين به،
فإذا كانت قد تخلت عن المال، فإنه يصعب عليها أن
تتخلى عن حديث الناس عن كرمها وتصدقها
وسخائها وبذلها.
واقتحام العقبة الأخرى يحتاج إلى قوة كبرى
لا يملكها إلا القليل من الناس ..
ولا شك في أنه – أي اقتحام هذه العقبة –
يعني أن الناجح فيه قوي جداً.
أجل، قوي جداً، بل أقوى من الجبال، وأقوى من الحديد،
وأقوى من النار، وأقوى من الماء، وأقوى من الريح.
ولسنا نحن الذين نشهد للمؤمن المسلم
الذي تصدق فأخفى صدقته
بأنه اقوى من الجبال والحديد والنار والماء والريح ..
بل هو النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول
في الحديث الذي أخرجه الترمذي:
{ لما خلق الله الأرض جعلت تميد وتتكفأ.. فأرساها بالجبال،
فاستقرت، فعجب الملائكة من شدة الجبال فقالت:
ربنا هل خلقت خلقاً أشد من الجبال؟ قال: نعم، الحديد،
قالوا: فهل خلقت خلقاً اشد من الحديد؟ قال: نعم، النار،
قالوا: فهل خلقت خلقاً أشد من النار؟ قال: نعم، الماء،
قالوا: فهل خلقت خلقاً أشد من الماء؟ قال: نعم، الريح،
قالوا: فهل خلقت خلقاً أشد من الريح؟ قال: نعم، ابن آدم،
إذا تصدق صدقة بيمينه فأخفاها عن شماله }
(الترمذي، والإمام أحمد في مسنده).
فهنيئاً لكل مؤمن مسلم مخفي لصدقته، القوي المنتصر على
ما في نفسه من شح وتطلع إلى ذكر الناس وثنائهم ..
هنيئاً لك شهادة حبيبك صلى الله عليه وسلم لك بأنك
أقوى من الجبال والحديد والنار والماء والريح.
وهنيئاً لك جائزتك الكبرى بأن يظلك الله سبحانه
في ظله يوم لا ظل إلا ظله ..
ذلك بأنك واحد من هؤلاء السبعة الناعمين بظل الله
في يوم أشد حراً من الأيام كلها:
{ ورجل تصدق فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه }
.......................
محمد رشيد العويد