الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
الحديث الثلاثون
ن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: { إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها }
[حديث حسن، رواه الدارقطني في سننه:4/ 184، وغيره].
فوائد من الحديث
1-الحديث قسم الأحكام إلى أربعــة أقسام :
القسم الأول : الفرائض .
( كالصلاة ، والصيام ، والزكاة ، وجميع الواجبات التي أمر الله بها ) .
-وهذه يجب المحافظة عليها .
-والفرض تعريفه : ما ذم تاركــه شرعاً .
-وحكمه : يثاب فاعله امتثالاً ويعاقب تاركـــه .
-والفرض والواجب بمعنى واحد عند كثير من العلماء .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله الصواب: أن الفرض والواجب بمعنى واحد، ولكن إذا تأكد صار فريضة، وإذا كان دون ذلك فهو واجب
-وله صيغ :
منها : فعل الأمر ، كقوله تعالى(وأقيموا الصلاة وآتــوا الزكاة ).
ومنها : الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر ، كقوله تعالى ( وليطوفوا بالبيت العتيق ).
ومنها : التصريح من الشارع بلفظ الأمر ، كقوله تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) .
ومنها : التصريح بلفظ الإيجاب أو الفرض أو الكتب ، كقوله تعالى (فريضة من الله ) وقوله( كتب عليكم الصيام ) .
-والفرض ينقسم إلى قسمين : فرض عين – وفرض كفاية .
الفرض العيني : وهو ما يتحتــم أداؤه على كل مكلف بعينـــه .
والفرض الكفائي : وهو ما يتحتم أداؤه على جماعة من المكلفين ، لا من كل فرد منهم ، بحيث إذا قام به بعض المكلفين فقد أدِيَ الواجب ، وسقط الإثم والحرج عن الباقين .
-فرض العين أفضل من فرض الكفايــة .
لأن فرض العين مفروض حقاً للنفس ، فهو أهم عندها من فرض الكفاية وأكثر مشقة ، بخلاف فرض الكفاية فإنه مفروض حقاً للكفاية ، والأمر إذا عمّ خف ، وإذا خص ثقل .
-الفرض أفضل من النفل .
لقوله صلى الله عليه وسلم ( قال تعالى : وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضتــه عليه ) رواه البخاري
القسم الثاني : الحدود التي حَدَّها الشرع .
-كحد الزنا وحد السرقــة وحد شرب الخمر ، فهذه يجب الوقوف عندها بلا زيادة ولا نقصان .
-الحكمة من هذه الحدود : المنع والزجـــر عن الوقوع في المعاصي ، وتمنع المعاودة في مثل ذلك الذنب وتمنع غيره أن يسلك مسلكــه .
-وإقامة حدود الله في الأرض فيه خير عظيم .
قال صلى الله عليه وسلم ( حد يقام في أرض الله خير من أن تمطروا أربعين عاماً ) رواه ابن ماجه .
-يحرم الشفاعة لإسقاطها .
قال صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد حين كلمه في المرأة المخزوميـة التي سرقت ( أتشفع في حد من حدود الله ، وأيم الله ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) متفق عليه .
القسم الثالث : المحرمات التي حرمها الشارع .
-فهذه يحرم فعلها .
( كالشرك ، والقتل بغير الحق ، وشرب الخمر ، والزنا ، وغيرها مما حرمها الشرع ) .
-تعريف المحرم : لغة : الممنوع ، واصطلاحاً : ما ذم فاعله شرعاً .
-وحكمه : يثاب تاركه امتثالاً ، ويعاقب فاعله .
-وله صيغ يأتي بهــا :
منها : لفظ التحريم ومشتقاتها ، كقوله تعالى( حرمت عليكم الميتـة ).
ومنها : صيغ النهي المطلق ، كقوله تعالى (ولا تقربـــوا الزنى ).
ومنها : التصريح بعدم الحل ، كقوله صلى الله عليه وسلم ( لا يحل دم امرىء ) .
ومنها : أن يرتب الشارع على فعل شيء عقوبة ، كقوله تعالى(والسارق والسارقة فاقطعــوا أيديهمـا ).
-يجب ترك المحرمات والمنهيات كلها .
قال صلى الله عليه وسلم ( ما نهيتكــم عنه فانتهــوا ) متفق عليه .
القسم الرابع : المسكــوت عنه .
وهذا حكمه : حلال .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” لكن هذا في غير العبادات ، أما في العبادات فقد حرم الله أن يشرع أحد من الناس عبادة لم يأذن بها الله “ .
وجه الدلالة من الحديث على أن ما سكت عنه فهو عفو :
أنه صلى الله عليه وسلم بين أن ما سكت الله عنه بعد الشرع إنما هو مباح رحمة بنا وتخفيفاً عنا ، فلا نبحث عن السؤال عنه ، وهذا دليل على إباحته .
ومعنى كون السكوت رحمة ، لأنها لم تحرم فيعاقب على فعلها ، ولم تجب فيعاقب على تركها ، بل هي عفو لا حرج في فعلها ولا في تركها .
-لا ينبغي البحث والسؤال عما سكت عنه .
لأنه على الأصل ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره السؤال وينهى عنه خوفاً أن يفرض على الأمة ، وإنما نهى عن كثرة السؤال خشية أن يرد تكاليف بسبب السؤال قد يشق على بعض الناس امتثالها والإتيان بها .
2-انتفاء النسيان عن الله تعالى .
قال تعالى(لا يضل ربي ولا ينسى ).
وقال تعالى( وما كان ربك نسياً ).
وأما قوله تعالى (نسوا الله فنسيهــم ) فالمراد : هنا الترك ، أي تركوا الله فتركهــم .
3-إثبات أن الأمر لله عزّ وجل وحده، فهو الذي يفرض،وهو الذي يوجب،وهو الذي يحرم، فالأمر بيده، لا أحد يستطيع أن يوجب مالم يوجبه الله، أو يحرم مالم يحرمه الله،لقوله: "إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائض" ...وقَالَ: "وَحَرمَ أَشيَاء"
4-إثبات رحمة الله عزّ وجل في شرعه، لقوله: "رَحمَةً بِكُم"
5-حسن بيان النبي صلى الله عليه وسلم حيث ساق الحديث بهذا التقسيم الواضح
--------------------------------------------------------------
يتابع إن شاء الله - تعالى-