السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زيارة فى الظلام
الكاتب/ محمد عبد الحليم عبد الله
بعد أن استقر الحاج محمود فى الفيلا الجديدة التى أشتراها لسكنه وأخذت يد النعيم تمسح على رأس هذه الاسرة ، بدا الحاج محمود وزوجته يفكران فى مشكلة كبيرة ........
وكان ذلك فى أحدى الامسيات بعد أن هجع الابناء وأوى الخدم الى غرفهم والحاج محمود فى بيجاما من الحرير لا تتناسب مع مظاهر الخشونة التى عجزت النعمة عن مسح أثارها الاصيلة والحاجة سكينة فى قميص نوم أبيض والغرفة جديدة الفراش كأنها زينت لعروس وحين رقد الزوجان جنبا الى جنب كان فى رأسهما فكرة مشتركة لمعت فى عيون ينظر بعضها فى عمق بعض .
وتنهدتسكينة وهى تسحب اللحاف على كتفها وقالت لزوجها : " هناك حاجات لا تزال تنقصنا يا حاج محمود .............." فألها فى تشكك الخائف وقدرة الغنى :
- حاجات لا تزال تنقصنا ؟!
- هل من الممكن أن نشتريها بالمال ؟ كل الاشياء التى تعرض للبيع رخيصة ، ما دام المشترى محتاجا اليها وما دام يملك ثمنها
- فردت عليه فى شرود :
- هذا صحيح ، ولكن ... هنا لك اشياء لا تشترى بالمال
- هذه أذن هى الاشياء الغالية ، وانا لا افهم ماذا تقصدين
- اقصد أن أقول ، لو أن أولادنا كانوا مثل أولاد المهندس شكرى أفندى أذن لتمت سعادتنا .أه
وتنهدت وسكتت وظل الحاج محمود صامتا ينتظر بقية القصة . حتى قالت زوجته :
- لو رايتهم اليوم يا حاج ، أن ابنه عادل فى مثل سن أبننا عادل ، لكنك لو رايتهما وهما يلعبان معافى الجنينة ساعة كانت زوجة المهندس فى زيارتنا فسألها وهو يحس بما تجيش به نفسها :
- وماذا كان هناك يا سكينة ؟!
- ساقول لك على شرط الاتغضب مما أقول
- نحن متفقان ... قولى
- كان كل شىء فى أبنهم يدل على انه ابن مهندس ، وكان كل شىء فى ابننا يدل على انه ابن نجار فقهقة الحاج محمود كانه سمع نكته جديدة ، لكنه فى الواقع أحس بوخز شديد . ثم سألها :
- وكيف كان ذالك ؟!
- ذلك مالا أعلمه لا أدرى . حاجات يفهممها الناس ولكنهم لا يستطيعون أن يصفوها . غير أنى أسالك : لماذا لم تطرد سائق السيارة مع انه سليط اللسان ؟ الم تقل لى أنه على الرغم من طول لسانه رجل خفيف الظل ؟ فهمنى أذن ما معنى خفة الظل ؟!
- لا أستطيع
- وانا أيضا لا استطيع كان ابن شكرى افندى يثيراحزانى وهو يلعب مع ابننا اللطافة تلعب مع الخيبة ، والنصاحة تلعب مع الغشم ، وكل ما يلبسه ابن المهندس رخيص مهندم وكل ما يلبسه ابننا ثمين مهدول . وابن المهندس كل ما حوله حتى أسماء الازهار المغروسة فى جنينه النجار ، أما ابننا فهو يمثل الجهالة . سقط من على الدراجة عشر مرات بأردافه الثقيلة وذراعيه اللتين كأنهما وضعتا فى قيد ولم يسخر منه الولد التانى بل كان يرشده بأدب ,ياسماء احفظى وياأرض صونى . لقد كان ناعما كالغريبة يا حاج محمود .........أما أبننا ......... وسكتت ولم تكمل وسكت ولم يرد . وخيم الصمت على حجرة النوم ، وقامت الحاجة ، واسدلت ستارا على النافذة وأنت مرتين أو ثلاثا وهى ترفع جسمها الى السرير ،أما الرجل فقد كان واضعا كفة على جبينه ، ولا يزال يناقش فكرة معينة ، لان الاحساسات التى وصفتها له زوجته لم تكن جديدة عليه . كان يحسها قبلها بزمن طويل وقد بلبلت فكرة وأقلقت نفسه قبل أن تصل الحاجة سكينة القاعدة فى البيت المتسلطة على الخدم .أما هو ، فانه يعيش فى الخارج ويمشى فى الاسواق ويحاول أن يطير بالاجنحة الذهبية التى صعها له المال ليحلق فى مستوى طبقة أخرى ... ولكنه ... عاجزا !
الحاج محمود يركب السيارة ولكنه يشعر كأن المنادى العمومى فى الشوارع والميادين لا يبذل له من الاحترام بقدر ما يبذل للطبيب أو المهندس أو وكيل الشركة ، " ودعك من الحقائق فحقائقنا كامنة فى نفوسنا " مع أن الحاج محمود يصرف فى أول كل شهر مرتبات لموظفيه وعماله لا تقل عن الف من الجنيهات أنه منذ سبع سنوات يملك الات ضخمة فى ورشة النجارة الكبرى . وكثير من العمال يقولون له يا عمى وكثير من الاهالى يلقبونه بالبيه . عدة القاب واحترام من كل نوع وعز ونعمه يتضاءل أمامها دخل الطبيب والمهندس والمدرس لكن الحاج خاوى النفس غير مطمئن الى منزلته يحس كأن شيئا ضخما ينقص النعمه الضخمه كان لا يزال يمسح على جبينه والزوجة تنظر اليه فى سكون وهى تغالب النوم ورعشة من رعشات التثاؤب تهز شفتيها ، واخيرا سمعها تقول :
الى اين ذهبت ؟ ........هلى وصلت الى قرار ؟
فرد بعد صمت قصير :
- فيما يتعلق بالاولاد .....فان عندى فكرة لكنى أخاف أن أعرضها عليك
- لا تخف
- وقبل أن أعرضها عليك ، يجب أن انبهك الى أن أولادنا لا يتناسبون فى تربيتهم مع ثروتنا الحالية . لا تفكرى فى ابننا الكبير ، فقد فاتته الفرصة وانتهى أمره ولكن الصغار منهم يجب أن نعمل من أجلهم شيئا
- طبعا
- ما رايك اذن فى أن نستعين بأحدى المربيات فى الاشراف على الاولاد الصغار ؟
ولم يدعها ترد ولم ينظر الى وجهها بل استطرد وكانه يفر من الاجابة :
- أنا وأنت الان " مودة " قديمة .
" سوارس " وذهبت حلاوتنا مع البرقع والبيشة يا حاجة خلاص . وأصبحنا نعيش فى زمن وجهه مكشوف ، فلاتعارضى اذن فى الاستعانة بالمربية ولما نظر اليها ضبط فى عينيها خوفا من المستقبل أن الحاجة سكينة كانت أشبه بالثوب الوحيد يقتنيه رجل مولع بالنظافة فهو يلبسه ويغسله وينشره ثم يرجع به ثانيا من أول الدائرة حتى تقطعت الازرار وتشرمت العرا ، ورق فى أماكن مختلفة وتطلب الترقيع ! عشرة أبطن خلفتها الحاجة منها ما قبل الحرب أيام الفقر والفاقة ، ولولا الموت أنذى يخفف الحقول البشرية لكان للحاجة سكينة عشرة من الاولاد بين بنين وبنات وحين راودت فكرة المربية راس الزوج لم تكن الزوجة تخشى من شىء الاأن تنقلب المربية مع مرور الزمن الى ضرة ،أو خليلة . والضرة تبسط على البيوت نفوذا علينا قد يكون أقل متاعب وعناء من النفوذ المستور الذى يتسلل الى الى البيوت من فعل الخليلات . لكن الحاج محمود أكد لزوجته أن زمن الهوى قد مضى .
يتبع